Site icon صدى السودان

منى أبوزيد تكتب.. هناك فرق – نهاية لائقة..!

“الرجال والشعوب يتصرفون بحكمة بعد أن يستنفدوا جميع الخيارات الأخرى”.. أبا إيبان..!

إحدي حلقات برنامج “هناك فرق” على قناة النيل الأزرق كانت بعنوان “اتفاق جوبا، ظروف النشأة والمصير”، وفيها وقفتُ عند عبارة مُهمَّة للسيد “أحمد تقد لسان” – الذي كان كبير مفاوضي حركة العدل والمساواة – تقول بما معناه “إن المتفاوضين يرفعون حماسة الجماهير أحياناً للمطالبة بسقوفات عالية – من باب الضغط على الطرف الآخر – ثم يحدث أن يقتنع أحد الطرفين بوجوب تقديم بعض التنازلات، لكن – حينها – من يقنع الجماهير”…!

ولأن الواقع يُقِرُّ علي الدوام بتفوق الأدب في محاكاته قد يتغذَّى النص الأدبي – الذي يتَخلَّق باعتباره كياناً مستقلاً منفصلاً عن كاتبه – على حساب وجود ذلك الكاتب نفسه، إلى درجة أن القاريء قد يحتفي بوجود شخصية روائية أكثر من احتفائه بمؤلفها..!

حدث هذا مع شخصية “شيرلوك هولمز” ومؤلف رواياتها “السير آرثر كونان دويل” الذي طغت شهرة هولمز على شهرته فاتخذ قراراً بموته، لكن آلاف الرسائل طالبته بأن يعيده إلى الحياة، فقام بتغيير نهاية الرواية متأثراً بضغوط الجماهير..!

ولأن الواقع يُقِرُّ على الدوام بتفوق الأدب في محاكاته فقد بالغ الكاتب والصحفي الأمريكي “فرانك ستوكتون” الذي اشتهر في القرن التاسع عشر بقصة “الفتاة أم النمر” – بالغ عديل – عندما أثار سخط القراء بنهاية مفتوحة لقصته التي تحكي عن ملك باطش كان يأمر بوقوف كل من يتم اتهامه بارتكاب جريمة أمام بابين “يقبع خلف أحدهما نمر جائع وتقبع خلف الآخر فتاة جميلة”..!

وكان المذنبون بمنطق الملك هم الذين يختارون باب النمر، فيصرعونه أو يأكلهم، والأبرياء هم الذين يختارون باب الفتاة فيتم إجبارهم على الزواج منها.. وهكذا.. إلى أن جاء يوم وقف فيه أمام ذات الامتحان شاب من العامة بعد اكتشاف وجود علاقة غرامية بينه وبين ابنة الملك..!

وفي لحظة العقاب الموعودة أشارت الأميرة التي كانت تجلس في المقصورة بجوار والدها إشارةً خفية نحو أحد البابين. لكن الشاب تساءل – على الرغم من ثقته في مَحبَّتها – هل اختارت باب الفتاة وهي تعلم أنها سوف تصبح زوجته بدلاً عنها، أم اختارت باب النمر كي لا يتزوج الفتاة، فيكون لها أو لا يكون..!

بعد لحظات من التفكير قرر الشاب أن يفتح الباب الذي أشارت نحوه الأميرة، وتَلهَّف القراء لمعرفة النهاية، لكن مؤلف القصة اعتذر لهم عن تركها بلا نهاية “أنا آسف لا أستطيع أن أتوقع النتيجة، ولا أعرف من الذي خرج من ذلك الباب النمر أم الفتاة”..!

ولأن الواقع يُقِرُّ علي الدوام بتفوق الأدب في محاكاته يتعرض السياسيون لضغوط جماهيرية مماثلة لتغيير بعض النهايات أو إغلاقها، وتتعرض الجماهير لمواقف مماثلة مخيبة للآمال من بعض السياسيين أصحاب المواقف “الناقصة” والنهايات المفتوحة..!

التسلسل المنطقي للأحداث – التي تنتمي إلى واقع يُقِرُّ علي الدوام بتفوق الأدب في محاكاته – يقول إن بعض السياسيين قد كتبوا لأنفسهم نهايات ظنوا أنها مفتوحة لكنها تبدأ عند انتهاء هذه الحرب، بعد أن تستبدلهم ذات الجماهير بآخرين يجيدون كتابة النهايات التي تشبه الوطن!.

صحيفة الكرامة

munaabuzaid2@gmail.com

Exit mobile version