د ياسر يوسف ابراهيم … يكتب… فرص وتحديات التقارب الروسي السوداني

فرص وتحديات التقارب الروسي السوداني
د ياسر يوسف ابراهيم

( نحن لا نشتري الحلفاء ) هكذا إبتدر الجنرال الروسي الكبير رئيس وفد التفاوض مع الحكومة السودانية في مقر منظومة الصناعات الدفاعية السودانية حديثه ، بعد أن إطمأن إلي وضوح رؤية الجانب السوداني في ضرورة تطوير علاقات بلاده مع روسيا ، وذلك في العام 2017 بعد الزيارة التاريخية للرئيس السابق عمر البشير لروسيا والتي مهدت لدخول فاغنر للسودان وأفريقيا الوسطى بعد ذلك ..
في ذلك الإجتماع تمت مناقشة إتفاقيات التعاون الأربع بين البلدين وهي إتفاقية التعاون العسكري ، تطوير قدرات الجيش السوداني ، إستخدام الموانئ والمراسي السودانية لدخول السفن الروسية ، وأخيرا إتفاقية نقطة الدعم اللوجستي علي البحر الأحمر ..
واليوم ومع تسارع خطوات توسيع التعاون بين السودان وروسيا بعد مرور أكثر من عام علي إندلاع الحرب بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع ، تثور أسئلة عدة حول مدي نجاح هذا التقارب وتجاوزه للمخاطر المحيطة به…
فتحت زيارة المبعوث الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف إلي السودان مايو الماضي الآفاق لتسريع وتيرة التعاون بين البلدين ،فقد كشف مساعد القائد العام للجيش الفريق ياسر العطا النقاب عن إتفاق بين البلدين تزود بموجبه روسيا السودان بالذخائر والأسلحة مقابل تمكينها من إقامة محطة تزود علي البحر الأحمر ، ويعتبر هذا الإتفاق مهما للغاية من عدة أوجه ، إذ أنه نقل الجيش السوداني من خانة التردد في المضي قدما مع موسكو منذ سقوط النطام السابق قبل خمس سنوات إلي خانة التعاون المفتوح معها ، كما أنه ساعد علي إجلاء موقف روسيا من الإعتراف الكامل بشرعية مجلس السيادة ودعم الجيش السوداني ، وهو ما يعني تخليها عن التعاون مع الدعم السريع عبر مجموعة فاغنر ..
ولا شك أن هناك مجموعة من العوامل ساهمت في تشجيع الجيش لإتخاذ هذه الخطوة ، وفي مقدمتها التطورات الميدانية علي الأرض ، وحاجة الجيش لحليف عسكري وسياسي قوي يدعم مواقفه ، فمنذ سقوط النظام السابق ظل قادة الجيش علي تواصل دائم مع الولايات المتحدة الأميركية أملا في تطوير علاقات مثمرة معها ، بل وقام الجيش بتجميد إتفاقية القاعدة الروسية علي البحر الأحمر والتي سبق أن وقع عليها النظام السابق في العام 2017 ، وبعدما صادقت الجهات الروسية عليها صرح رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان ( لدينا ملاحظات حول إتفاق القاعدة الروسية في السودان ) ، واستقبل بعدها بأيام السفير أندرو يانغ نائب قائد قوات الأفريكوم الأفريقية ، وفهمت الزيارة حينها علي أنها جزء من الترتيبات المتعلقة بتجميد ذلك الإتفاق ، وبعد مرور عام علي قيام الحرب ربما شعر قادة الجيش بنوع من الخذلان من الولايات المتحدة الأميركية التي لم تقدم شيئا للسودان طوال السنوات التي أعقبت إسقاط النظام ، بل ظل موقفها مرتبكا ومملوءا بالتناقضات والتردد ..
كما أن تطاول أمد الحرب أملي علي الجيش البحث عن خيارات أخري وبدائل لتوفير المؤن والذخائر خاصة بعد إستهداف منظومة الصناعات الدفاعية من قبل الدعم السريع وتأثر جانب كبير من عمليات التصنيع والإنتاج ، ولا توجد دولة كروسيا قادرة على الإستجابة لتلك المطالب الملحة والفورية ، فالسودان يعتبر ثاني أكبر مشتر للأسلحة الروسية منذ العام 2000 ، بجانب أن كل منظومة التصنيع في الجيش السوداني معتمدة على الأعيرة الشرقية وذلك بسبب الحصار الأمريكي والغربي الطويل علي السودان ، كما أن سلاح الطيران كله مؤسس علي نتيجة التعاون بين السودان وحلفائه في روسيا والصين وأوكرانيا ، أما السبب الثالث فهو إستعداد روسيا نفسها لإستئناف التعاون مع السودان بما يمتلكه من أهمية إستراتيجية هي في أمس الحاجة لها لتنفيذ خططها المتعلقة بالتوسع أفريقيا ، وذلك مع تنامي وجودها العسكري في القارة ، حيث أفاد معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام بأن افريقيا استوردت خلال عامي 2015 و 2019 ما يقارب ال 49 بالمئة من معداتها العسكرية من روسيا ، وكان السودان هو بوابتها للتغلغل في أفريقيا الوسطى ولاحقا النيجر وغيرها ..
دوافع التقارب ومطلوباته :
بالنسبة للسودان الذي يخوض حربا غير مسبوقة مع مليشيا الدعم السريع يحتاج الجيش إلي إمداد مستمر من الذخائر والمؤن الحربية ، وخاصة تلك المتعلقة بسلاح الطيران حيث يمتلك السودان حوالي 13 طائرة قتالية من طراز ميج روسية الصنع ، وحوالي 20 طائرة هجومية من طراز سوخوي 24 و 35 الروسية ، وعدد كبير من طائرة الهليكوبتر الهجومية والناقلة ، ويحتاج هذا الإسطول بالتأكيد للتطوير والصيانة والذخائر..
كما أن السودان بحاجة لحليف قوي في المحافل الدولية في ظل إنحياز الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها الغربيين والإقليميين لمجموعة ( تقدم ) المناصرة للدعم السريع والتي يرأسها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك ، وظلت موسكو في حالة إختلاف مستمر مع المجموعة الغربية في أروقة مجلس الأمن وآخرها في مارس الماضي حين امتنعت عن التصويت علي مشروع قرارا قدمته بريطانيا يدعو الطرفين لوقف النار خلال شهر رمضان الماضي ، وقالت نائبة مبعوث روسيا لدي مجلس الأمن آنا إيفستغنيفا ( إن الأطراف السودانية هي التي تتحمل المسؤولية الرئيسية عن الوضع في بلدها ، وهي التي يجب أن تقرر مستقبله ، وأن ممثلي المجتمع الدولي بمن فيهم أعضاء مجلس الأمن مهمتم تيسير ذلك وعدم فرض قواعدهم ومبادئهم علي الدول ذات السيادة ) ..
وبالإضافة لذلك فإن السودان يأمل أن تساهم روسيا في تغيير مواقف بعض القوي الإقليمية الداعمة للدعم السريع ..
أما بالنسبة لروسيا فإنها تعتبر السودان مدخلا مهما لتنفيذ إستراتيجيتها التوسعية في أفريقيا بإعتباره من كبار المشترين للسلاح الروسي وأنه كان البوابة التي قادت روسيا إلي أفريقيا الوسطي قبل سنوات ، غير أن النقطة الاساسية والمهمة هي الوجود الروسي علي البحر الأحمر ..
لماذا البحر الأحمر :
في مارس الماضي وفي جلسة إستماع في الكونغرس الأمريكي قال الجنرال لانغلي قائد القوات الأميركية في أفريقيا ( إن أكبر تحدي يواجه الإستراتيجية الأميركية في السودان هو محاولة روسيا إيجاد موطئ قدم لها في البحر الأحمر )
ظل الإهتمام الأبرز لأمريكا في حرب السودان هو محاولة منع روسيا من الإقتراب من البحر الأحمر الذي يشكل عمودًا رئيسيا في إستراتيجيتها تجاه أفريقيا لمكافحة الإرهاب والقرصنة ، بجانب أن البحر الأحمر يعتبر ممرًا رئيسيًا للسفن التجارية ، إذ تقدر السفن التجارية العابرة بأكثر من عشرين ألف سفينة سنويا ، وهو الطريق الذي ينقل نفط الخليج العربي وإيران إلي الأسواق العالمية ، وهو الهدف عينه الذي تسعي إليه الدول الأوربية التي تنقل 60% من إحتياجاتها النفطية عبره ..
وبحسب إستراتيجية الأمن القومي الروسي التي صادق عليها الرئيس بوتين في العام 2016 تعتبر منطقة البحر الأحمر ذات أولوية مهمة لأن الوجود الروسي فيها يساهم في فك الطوق عنها وخاصة بعد العقوبات الغربية المشددة عليها مع إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ، وكذلك فإن ذلك الوجود سيعمل علي مساعدة وتسهيل عمل الإسطول البحري الروسي المتواجد في المحيط الهندي ، وتأمين صادراتها النفطية التي بلغت حوالي 34% عبر هذا الممر المائي الحيوي ، ولكل ذلك فإن الإستراتيجية الروسية نصت بوضوع علي أن بناء القواعد العسكرية واللوجستية هدفا محوريا تسعي إليه موسكو ..
مخاطر التقارب :
في مقدمة المخاطر تأتي ردة الفعل المتوقعة للولايات المتحدة الأميركية تجاه الطرفين ، ويبدو أنهما علي دراية بذلك التعقيد فقد كتب المحلل العسكري ميخائيل خوداريونوك ( من المتوقع أن تتعرض السلطات السودانية لضغط كبير من واشنطن ، ولا يستبعد أن يقوم البيت الأبيض بكل ما هو ممكن لإحباط الإتفاق ) ، وتنظر روسيا بحسب إستراتيجية أمنها القومي الي الولايات المتحدة علي أنها تقع في رأس المخاطر التي تهدد أمنها القومي ، ولذلك فهي تتصرف في تحركاتها الدولية والإقليمية بناء علي ذلك التصور الذي تعمقت قناعاته بعد الحرب الروسية الأوكرانية ..
أما السودان فهو مدرك أن فكرة الوجود الروسي تعود جذورها إلي طلب الحماية الشهير الذي تقدم به الرئيس السابق عمر البشير للحكومة الروسية ( ضد التهديدات الأميركية) ، ومع أن قادة الجيش حاولوا أكثر من مرة توضيح أن التفاهمات السودانية الروسية حول البحر لا تستهدف طرفا ولكن يبقي من الصعوبة أن تتفهم القوي الدولية ( والإقليمية كذلك ) دوافع السودان بعيدا عن صراع النفوذ المتنامي حول المنطقة ، وقد جاء رد الفعل الأميركي مهددا ، ففي إجابة لصحيفة الشرق للمتحدث بإسم الخارجية الاميركية قال ( إذا اختار النظام العسكري في السودان مواصلة تنفيذ إتفاق بورتسودان فإن ذلك سيتعارض مع مصالح السودان علي المدي الطويل ) ولم يتوقف التهديد عند تلك النقطة بل اردف المتحدث الأميركي قائلا ( التعاون مع موسكو سيزيد عزلة النظام العسكري في السودان ويعمق الصراع الحالي ويخاطر بمزيد من زعزعة الإستقرار الإقليمي ) ..
التحدي الثاني هو حساسية موقف السودان الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع أوكرانيا ، في ظل تقارير إعلامية غربية متواترة تتحدث عن دور مزعوم لأوكرانيا في الحرب الحالية في السودان ، وفي أبريل الماضي تسلم وزير الخارجية السوداني أوراق إعتماد السفير ميكولا ناهورني سفيرا لأوكرانيا ، والإنتباه الواجب هنا هو العمل على ألا يتحول السودان لساحة تكون مسرحا لحرب بالوكالة تستغلها القوي الدولية المناوئة لروسيا بغرض الإستنزاف وتوسيع جغرافيا المواجهة معها ..
أما التحدي الثالث والأخير فيتعلق بالجانب الإقتصادي . إذ في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة التي يواجهها السودان والتي تتطلب دعما عاجلا قد لا تكون روسيا مهيأة له بما تواجهه من كلفة عالية للصرف على جبهة القتال في أوكرانيا ، وفي ذات الوقت فإن الإتفاقيات الخاصة بالتعدين والنفط قد تحتاج إلي وقت لكي يجني الطرفان ثمارها ، ومن المعلوم أن الجانب السوداني لا يملك ذلك الوقت وهو يخوض معركته الوجودية ضد الدعم السريع ..
ولكل تلك الملاحظات فإن الجانب السوداني بحاجة لتدعيم موقفه مع دول أخري كالصين ، إيران ، قطر وتركيا لإكمال منظومة التعاون العسكري والإقتصادي ، وكلها دول ترتبط بمصالح حيوية وحقيقية مع السودان ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 + واحد =