الخرطوم – هبة علي
فديو صادم ظهر به الشهيد محمد صديق الشهير ب”الرهيفة التنقد” اسيراً بمنطقة الجيلي لدى مجموعة من قوات الدعم السريع “المحلولة” وهي تسأله أن يوجه رسالة للجاهزية فيُجيب عليهم “من ياتو ناحية” فيصفعه أحدهم، ثم تتداول صورة يظهر فيها محمد صديق ملقياً على وجهه بالأرض وينتشر خبر استشهاده الذي وقع كالصاعقة على قلوب أطياف واسعة من الشعب السوداني ليخيم الحزن عليهم بمايو..
ظهور بعد الحرب
وظهر الملازم أول معاشي محمد صديق بعد اندلاع حرب الـ”15″ على منصات التواصل الاجتماعي، وحكى خلال تسجيل بثه الرفض المتكرر له من القيادات العسكرية لمحاولاته المستميتة للالتحاق مرة أخرى بصفوف الجيش من أجل الدفاع عن الوطن مؤكدا صده مرتين، الأولى حدثت صبيحة اندلاع حرب الجيش والدعم السريع، والثانية عند استدعاء معاشيي الجيش للقتال في صفوف الجيش، بعدها ظهر في تسجيل في نهايات شهر ديسمبر من العام الماضي، أقسم فيه بأنه سيتحرك لتحرير الجيلي حتى وإن فعل ذلك بمفرده! وهو الأمر الذي وفق مصادر من المنطقة بحسب “التغيير” أنه قام بتنفيذه بالتوجه نحو الجيلي ورافقه وقتها والده الذي رفض تركه بمفرده، لكن تمت إعادته من قبل الجيش.
وكان الملازم أول معاشي محمد صديق قضى وقتا طويلا في معسكر المعاقيل بمدينة شندي يدرب المستنفرين بعد أن انضم بصفته “مجاهدا” و”مستنفرا” وفق ما ذكره في تسجيل على مواقع التواصل الاجتماعي. قبل أن يشارك في معركة الجيلي التي أسر فيها، ثم تمت تصفيته.
لا مساومة في الوطنية
كحال جنود القوات المسلحة البارين بقسمهم تجاه الوطن كان محمد صديق، قسم حماية الوطن الذي اداه كان يجري في عروقة مع دمه ولم يخرج بخروجه من المؤسسة العسكرية، فلم ير نفسه غير جند الوطن، الأمر الذي جعل المؤسسة العسكرية تنحي إجلالا واحتراماً له وقد كان قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان حاضراً بعزاء محمد الصديق متحدثاً عن شجاعته وجسارته..
الناطق الرسمي باسم الجيش العقيد نبيل عبد الله تحدث لـ”النورس نيوز” قائلاً: معركة الكرامة الوطنية ميزت بوضوح شديد الخبيث من الطيب من ابناء هذا البلد، والشهيد محمد صديق برهن على صدق احساسه الوطني وغيرته على كرامة بلاده وشعبها وشرف قواتها المسلحة وسرعان ما ادرك زيف الشعارات التي كانت ترفع وزينت الباطل ومهدت لنشر الفوضى وتمزيق البلاد لتقديمها على طبق من ذهب للعملاء، والخونة الذين كشفت اقنعتهم هذه الحرب التي اشعلوها ضد البلاد وشعبها وجيشها.
وأشار عبد الله إلى أن الشهيد محمد صديق أرسل رسالة واضحة للجميع أن لا مساومة وتفريط في قيم الوطنية والاستعداد للذهاب الى آخر الشوط في درب التضحية والفداء.
وأضاف: لعل هذه الرسالة التي سطرها بدمائه الطاهرة تصل لزمرة الخونة والعملاء ليفيقوا من تأييدهم لمليشيات الغدر والخيانة والمرتزقة ويتوبوا الى رشد الحق الى جانب غالبية أبناء هذا البلد دعما لخيار كنس المليشيات والمرتزقة عن أرض بلادنا الطيبة إلى الأبد.
الرمز الديسمبري المجيد
لمع نجم الشهيد محمد صديق في أبريل من العام 2019 عندما تصدي هو ومعه عدد من أفراد القوات المسلحة لكتائب الإسلاميين وتعهد بحماية الشعب أمام القيادة العامة ، الأمر الذي حفظه له السودانيون الذين بكوه من اليمين إلى أقصى اليسار..
عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي كمال كرار أوضح من خلال حديثه لـ”النورس نيوز” أن محمد صديق والعشرات من الضباط والجنود الشرفاء في الجيش او الشرطة، كانوا ولازالوا موجودين وحاضرين عند المنعطفات الثورية، يقفون بسلاحهم بجانب الشعب، مخالفين اوامر القمع،لافتاً إلى أن ذلك حدث ذلك في ثورة أكتوبر وانتفاضة أبريل وثورة ديسمبر.
وأعتبر كرار أن هذا الفعل طبيعي لجهة أنهم من الشعب، وفي لحظات الثورة، يقفون مع الشعب ولا يخشون العواقب.
وأضاف: لمحمد صديق وقع خاص في نفوس الثوار، وكنت شاهدا على كلماته القوية، التي صارت مثلا بعد ذلك، وذلك الموقف، والمواقف التي تلته من حامد ورفاقه، دفعت الثورة والاعتصام للامام، واسهمت في تعزيز صمود الجماهير امام القيادة العامة.
وأردف: للاسف فان محمدا وبعض رفاقه طردوا من الخدمة بسبب مخالفتهم للاوامر عوضاً عن منحهم النياشين، وللاسف ايضا فانه عندما اختار القتال مع الجيش حتى لحظة اغتياله، لم يمنح شرف ارتداء الكاكي، وكم كان هذا موجعا له، وللاسف فان التقدير والتكريم الآن لا يمحى الظلم الماحق الذي عاشه محمد صديق.
الإحالة للمعاش.. المبررات
وكانت القوات المسلحة قد أحالت الملازم أول محمد صديق للمعاش في مطلع العام 2020 على خلفية مساندته للثوار أمام القيادة والتزامه بحمايتهم، لكنها قالت في بيان بتاريخ 19 فبراير 2020 إن قرارها جاء عقوبة لمنسوبها الذي خالف اللوائح وقوانين الخدمة بالقوات المسلحة مشيرة إلى حادثة اعتدائه على قسم شرطة بمنطقة الحاج يوسف.
وكان البرهان اتصل بالملازم محمد صديق مطالبا إياه بالعودة للخدمة بعد إحالته للتقاعد في العام 2020 وفق تصريحات أدلى بها لقناة الجزيرة مباشر، فيما وصف الشهيد اتصال البرهان بأنه تم تحت الضغط! وكان الثوار قد خرجوا في مواكب احتجاجية على قرار إحالته للمعاش! واتهم الشهيد في هذا اللقاء الجيش بأنه تسيطر عليه الحركة الإسلامية.
انتهاك للقوانين والأعراف
قتل قوات الدعم السريع لمحمد صديق وتعذبيه وهو قيد الأسر وجد الادانة من الحقوقيين والمنظمات ذات الصلة لجهة أن هذا يُعد خرقاً للقوانين والأعراف المحلية والدولية.
عضو محامو الطوارئ منتصر عبد الله أوضح بحديثه لـ”النورس نيوز” أن التعذيب تحدثت عنه بصورة تفصيلية القوانين المحلية والمواثيق والمعاهدات الإقليمية والدولية، مشيراً إلى انضمام
السودان للعهد الدولي لمناهضة التعذيب، كما أن هذا الفعل مخالفة للقانون المحلي، وفقاً للمادة “27” من الدستور الانتقالي السوداني “2005” والذي شمل جميع الحقوق الحريات المنضوية في العهد الدولي وهي جزء لا يتجزأ الدستور السوداني السابق بما فيها الحق في الحماية والحق في الحياة والحق في الحماية من التعذيب والمعاملة غير الإنسانية او العقوبات القاسية او اللا إنسانية والإحاطة بكرامة الإنسان.
وقال عبد الله ان ماحدث لمحمد صديق مخالف للقوانين المحلية والدولية والأعراف الإقليمية والدولية، مشدداً على ضرورة محاسبة الفاعل وعقابه حتى لا تتكرر مثل تلك الأفعال سواء على المستوى المحلي أو الخارجي.
وأردف: من أهم ضوابط المسؤولية الجنائية أن يكون الشخص مدركاً لماهية أفعاله وقت ارتكاب الجريمة وهذا متوفر في جريمة محمد صديق الذي قتل بواسطة قوات الدعم السريع.